أدعوكم اليوم للسفر معي إلى اليمن. ما هي الفكرة التي تراودك عندما تسمع عن اليمن؟ حضارة قديمة. الأسواق الشرقية (الأسواق) حيث يمتلئ الهواء بالتوابل ورائحة القهوة. كثبان رملية تتراقص في الصحراء. مدرجات غامضة منحوتة في الصخور، ومدن قديمة تبدو متجمدة في الزمن. إنها اليمن!
ولكن هناك جزء آخر محزن في هذا البلد الجميل. فقد أصبح الصراع الذي بدأ في عام 2014 والأزمة السياسية كارثة حقيقية على اليمن. الوضع الإنساني في اليمن حرج. فوفقًا للأمم المتحدة، هناك الملايين من المواطنين المحتاجين الذين يعانون من الجوع، كما أن أوبئة الكوليرا والتيفوس تودي بحياة الناس. يبذل المجتمع الدولي جهودًا لتقديم المساعدة، لكن حجم الكارثة هائل.
كان المشهد اليمني المغبّر المشمس في اليمن يحمل في طياته قصة خفية - حكاية تهمس في أروقة العيادات المحلية وتعج بالبطولة الهادئة التي يتحلى بها المهنيون الطبيون المتفانون. كانت هذه هي الساحة التي تشن فيها منظمة أدرا، وهي منظمة إنسانية دولية، حرباً لا تكلّ ولا تملّ ضد المرض واليأس.
وبعد أن أعجبتني جهودهم، تعمّقتُ أكثر في عملهم، واكتشفتُ نسيجاً منسوجاً بخيوط من التعاطف والابتكار والمرونة الثابتة. تخيل، إذا صح التعبير، عالماً يعتبر فيه الحصول على الرعاية الصحية الأساسية ترفاً وليس في متناول الكثير من الناس، وحيث يمكن لأبسط التدخلات الطبية أن تكون شعاعاً من الأمل. هذا هو الواقع الذي يواجهه الأشخاص الذين تسعى منظمة أدرا لخدمتهم.
تقوم منظمة أدرا منذ ما يقرب من عامين بتنفيذ مشروع "المساعدة من أجل اليمن" الممول من الحكومة الألمانية. وبفضل هذا المشروع، تلقى أكثر من مليوني شخص مساعدات ضرورية وأحياناً منقذة للحياة.







كان نهج "أدرا" في هذا المشروع متعدد الأوجه، مثل الماسة التي تلتقط الضوء من زوايا متعددة. تقدم أدرا استشارات طبية طارئة، وتعمل كطوق نجاة لأولئك الذين وقعوا في مرمى نيران النزاع أو دمرهم المرض.
وبالإضافة إلى ذلك، تجاوز عمل منظمة أدرا علاج الأمراض المباشرة. أدرك موظفو "أدرا" أن الوقاية من الأمراض هي المفتاح، لذلك شرعوا في مهمة لتثقيف المجتمعات المحلية حول التهديدات الصامتة ولكن المميتة للأمراض المعدية. ويذهب العاملون في مجال الرعاية الصحية المجتمعية إلى القرى، ويتنقلون أحياناً من منزل إلى منزل لشرح أهمية النظافة الصحية والتطعيم والكشف المبكر.

وقد امتد التزام "أدرا" ليشمل التصدي لبعضٍ من أكثر الأعداء رعباً في العالم: الملاريا والكوليرا وحمى الضنك. ولمكافحة ذلك قامت أدرا بنشر اختبارات التشخيص السريع، حيث قامت بتحديد الأفراد المصابين بسرعة وضمان تلقيهم العلاج الفوري. تخيل الارتياح الذي يرتسم على وجه الأم عندما يتلقى طفلها الدواء المنقذ للحياة، ولم يعد مستقبله محاطاً بالشكوك.
لم يقتصر عمل منظمة ADRA على الأمراض المعدية. فقد أدركت الأضرار الصامتة التي تسببها الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية ومرض الانسداد الرئوي المزمن وارتفاع ضغط الدم والسكري، كما أدركت الأونروا أنها تعتني بصحة الأفراد بعناية واهتمام لا يتزعزعان.

احتل الأطفال، وهم أضعف أفراد المجتمع، مكانة خاصة في قلب منظمة أدرا. فقد أنشأت المنظمة برامج الإدارة المتكاملة لأمراض الطفولة، مما يضمن حصول أصغر المرضى على رعاية شاملة. تخيل أيديهم الصغيرة وهي تمسك بالسوائل المنقذة للحياة، وعيونهم تعكس الأمل الذي أحيته تدخلات أدرا.
امتد تفاني أدرا إلى ما وراء جدران العيادات. فقد أدركوا أهمية معالجة سوء التغذية، وهو وباء صامت يهدد رفاه مجتمعات بأكملها. تخيلوا فرقاً تفحص الأطفال بدقة بحثاً عن علامات نقص التغذية، وتوفر الدعم الغذائي وتحيل الحالات الحادة إلى مراكز متخصصة.

لكن قصة منظمة أدرا لم تكن تتعلق فقط بالتدخل الطبي، بل كانت تتعلق أيضاً بتمكين المجتمعات المحلية. فقد قدمت أدرا الرعاية السابقة للولادة والمساعدة في الولادة، حيث كانت ترشد الأمهات خلال معجزة الولادة بأيادٍ ماهرة وقلوب رحيمة. اعتبرهم بمثابة قابلات الأمل، يضمنون دخول حياة جديدة إلى العالم بأمان وسلامة.

حتى الضروريات الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي لم تكن أمراً مفروغاً منه. فقد عملت منظمة أدرا بلا كلل لضمان حصول مرافق الرعاية الصحية على هذه الموارد الأساسية، وتحويلها إلى واحات من الصحة والرفاهية. تخيل مدى ارتياح القرويين وهم يعلمون أن لديهم إمكانية الحصول على مياه الشرب المأمونة، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان التي غالباً ما يتم إنكارها في مناطق النزاع.
كانت جهود منظمة أدرا في اليمن مدفوعة بإيمان راسخ بقدرة الإنسانية على التغلب على الشدائد. لقد أدركوا أنه حتى في خضم الفوضى، يمكن أن يزدهر الأمل.
إن قصة أدرا هي شهادة على الروح التي لا تقهر لكل من أولئك الذين يخدمون وأولئك الذين تتم خدمتهم. إنها تذكير بأنه حتى في أحلك الأوقات، يمكن للتعاطف أن ينير الطريق إلى الأمام. ومع استمرار عمل منظمة أدرا في اليمن، لا يسع المرء إلا أن يتساءل: ما هي قصص الحب والأمل الخفية الأخرى التي تنتظر من يكتشفها؟